والذي يترجح من الروايات أن صلاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأنبياء كانت قبل عروجه إِلَى السماء، وإن كَانَ قد ورد في بعضها أنها بعد رجوعه، لكن الذي يظهر أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أسرى به أولاً إِلَى المسجد الأقصى، ومن هناك إِلَى السماء، وعاد من السماء إِلَى المسجد الحرام هذا الذي يبدو.
وصلاته بالأنبياء إماماً هذه فيها دليل عظيم واضح جلي عَلَى فضله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى ما هو معلوم من أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أخذ العهد عَلَى كل نبي أن يؤمن بالنبي مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ))[آل عمران:81] فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء، أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أفضلهم، وهذا الموقف يذكرنا بما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم، كلهم يتخلون وكلهم يقول: نفسي نفسي، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها أنا لها، ثُمَّ يكون بعد ذلك ما يكون من التكريم العظيم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبول شفاعته في أهل المحشر، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشر غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وربط البراق بحلقة باب المسجد)
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رواية وهي مما يذكر ويستأنس بذكرها هنا بهذه المناسبة وهي: حديث أبي سفيان مع هرقل عندما كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع دحية الكلبي إِلَى ملك الروم هرقل بكتاب يدعوه فيه إِلَى الإسلام كما في أول
صحيح البُخَارِيّ قَالَ:
ائتوني بأي رجل من قوم هذا الرجل أو من أتباعه، فوُجد أبو سفيان وهو قائد قوى الشرك ورائده، فجيء به إِلَى هرقل وكانت المساءلة والمناظرة التي ذكرناها، في موضوع النبوات.
وفي هذه الرواية يقول: إن
أبا سفيان قَالَ: فهممت أن أقول له أمراً لعله مما يكذبه به، يعني يريد أن يقول لـ
هرقل شيئاً ليستفظعه ويصدق، فيكون ذلك مما يثبط عزمه فلا يؤمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يصدقه، فكان أن قال له: وقد أخبرنا أيها الملك أنه جَاءَ في ليلة واحدة من
مكة إلى
بيت المقدس، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء، وترقى إِلَى السماوات السبع، ثُمَّ رجع في ليلة واحدة.
فتعجب
هرقل فقال له قسيس كَانَ جالساً عنده: إن ذلك قد وقع. فقال له هرقل: وما يدريك أن ذلك وقع؟ فَقَالَ القسيس وكان سادناً "مسؤولاً" لـ
بيت المقدس: أيها الملك أنا أخبرك بذلك: إني في ليلة من الليالي أمرت الحرس والعمال أن يوصدوا الأبواب، فأقفلوها إلا باباً من الأبواب، فإنهم قد حاولوا وبذلوا جهدهم، فلم يستطيعوا أن يقفلوه، فقلنا: نتركه إِلَى غد حتى نأتي بالنجار أو من يصلحه فبقي الباب مفتوحاً.
فلما كَانَ الصباح جئنا فوجدنا آثار ناس قد صلوا، ورأينا في الصخرة نقرة وأثر مربط دابة من الدواب) وهذه الرواية مما يؤخذ من الأخبار التي لا نشترط صحة سندها، فهي منقولة عن قسيس نصراني، إِلَى ملك من ملوك النَّصَارَى، وليس فيها حكم من أحكام ديننا، ولكن فيها عبرة وعظة لإثبات صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أكرمه بذلك، وأن هذه الآية قد رآها أُولَئِكَ القوم هذا بالنسبة لقوله: (وربط البراق بحلقة باب المسجد).
وقد قيل: إنه نزل بيت لحم وصلى فيه أتى ذكر ذلك في روايات ضعيفة، وكما قال ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ- لم يصح ذلك عنه البتة.
ثُمَّ عرج به تلك الليلة من بيت المقدس عَلَى البراق إِلَى السماوات السبع، فأتى أول سماءٍ وهي السماء الدنيا فاستفتح له جبريل الملائكة فقيل ومن معك قَالَ: مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: أوقد بعث قَالَ: نعم، قالوا: مرحباً بك وبمن معك ففتح لهم.